/

مقال الرأي

أحوال الناس

هل تتحالف الصين مع الاسلاميين ضد أمريكا؟


رأت نادية حلمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بكين الصينية، أن الصين ستسعى للتحالف مع القوى الإسلامية الصاعدة بقوة في المنطقة العربية، في محاولة لمواجهة النفوذ الأمريكي القوي المتزايد في منطقة الشرق الأوسط.

ورأت الخبيرة المصرية في الشئون الصينية، في حوار مع «الشروق» أن «بكين هي الخيار الاستراتيجى الأمثل للعرب، الذين لم يكسبوا كثيرا من تحالفهم مع الولايات المتحدة، خاصة أن العملاق الآسيوي يتبنى مواقف أكثر عقلانية تجاه إسرائيل، وهو ما يستلزم تقاربا عربيا ــ صينيا في مواجهة التقارب الأمريكي ــ الإسرائيلي لصياغة أكثر ملاءمة لمصالحنا في العالم.

وأكدت نادية أن الصين سوف تعمل على التقارب مع التيار الإسلامي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الإمساك بزمام الحكم في مصر، بدليل اكتساحه في نتائج المرحلة الأولى للانتخابات، رغم تحفظها على أفكار هذا التيار، لكن المصلحة لها الكلمة العليا في السياسة والعلاقات الدولية.

وأضافت، أن السياسة الصينية تميزت في العقود الماضية بضعف اهتمامها بجماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، ويعود هذا إلى تذبذب السياسة الصينية بشكل عام تجاه الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، إذ تراوح ذلك الموقف بين دعم صيني قوي للبلاد العربية، خصوصا في أوائل الستينيات في عهد( شوان لاي)، إلى اقتراب الصين من إسرائيل وإقامة علاقات واسعة معها. وبشكل عام.

لكنها ألمحت إلى أنه بالرغم من جنوح بكين إلى التقارب مع تيارات الإسلام السياسي إلا أن صاحب القرار الصيني في الوقت نفسه «يستشعر الخطر دوما من الحركات الإسلامية فى إقليم «شينغيانغ» حيث تقطن به الأغلبية المسلمة فى البلاد، حتى إن الحكومة الصينية فرضت منذ بداية الثورة المصرية رقابة على مواقع البحث فى المدونات الإلكترونية على كل ما يتعلق بمصر، بل منعت بعض الصينيين من إيصال الورود إلى السفارة المصرية أثناء رغبتهم فى المشاركة فى احتفال نظمته السفارة بمناسبة سقوط مبارك، واعتقلت البعض منهم».

وتابعت قولها «إن الصين فى نهاية المطاف ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع ما ستفرزه الثورات من قوى سياسية جديدة حتى لو كانت إسلامية. وبدافع من مصالحها الخاصة ستفتح الباب على مصراعيه للمصالح الاقتصادية المشتركة، والتبادلات التجارية بين كلا الطرفين».

ونوهت نادية إلى أن «أى تحالف إسلامى ــ صينى له تكاليف مرتفعة، ولا شك فى أنه سوف يترتب عليه مخاطر جمة أقلها الحرب، ولكنه غير مستبعد على الإطلاق، وفى هذا الصدد يقول جرهام فلور: «تحالف كونفوشيوسى ــ إسلامى يمكن أن يتحقق ليس لأن محمدا وكونفوشيوس ضد الغرب، ولكن هذه الثقافات تقدم الآلية للتعبير عن المعاناة التى يلومون الغرب على أسبابها جزئيا، خاصة مع تزايد دور الغرب ونفوذه، بل وهيمنته الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية على مجريات الأمور، وهنا تشعر الدول بأنها لم تعد تقبلها أكثر من ذلك».

وتوضح قائلة: «يجب أن نضع فى أذهاننا، أن الصين لا تقرر سياستها الخارجية استنادا إلى أحقية الأمور وبطلانها، وهذا معيار سياسى يحتشد بالعوامل العاطفية والانفعالية ولا تترتب عليه نتائج عملية. ولكنها تتخذ من المصلحة الوطنية معيارا لسياستها الخارجية. والمقصد أن نقول، إن محافظة السياسة الدبلوماسية على الحد الأقصى لمصالح الصين الوطنية بعد حسابها حسابا دقيقا هو النجم الهادى للدبلوماسية الصينية الناجحة. وهى الدلالة القاطعة على نضوج الدبلوماسية الصينية التى شهد لها الخصوم قبل الأصدقاء وما أكثر أصدقاء الصين فى كل مكان.

أما عن شكل العلاقة الجديد بين الصين والعالم العربى والإسلامى، بعد ثورات الربيع العربى، فإن أغلب المؤشرات الاستراتيجية حول صعود وهبوط القوى العظمى تؤكد أن الصين ستكون صاحبة دور مؤثر وحاسم على الصعيد العالمى فى غضون العقدين أو الثلاثة القادمة، يقوم نمط العلاقة القائم اليوم بين الصين وبين أغلب بلدان العالم العربى والإسلامى على الشراكات الاقتصادية حيث يمثل هذا العالم للصين أمرين: أولهما، كونه المصدر الرئيسى لواردات الصين النفطية المتزايدة.

ثانيهما، كونه ساحة الأسواق الكبيرة التى تلتهم منتجاتها، ولذلك فكلا الطرفين لديه حاجة إستراتيجية إلى نقل العلاقة من مستوى الشراكات الاقتصادية والتنموية إلى مستوى التحالفات الإستراتيجية التى لا تتغير بتغير النظم السياسية أو القيادات الحاكمة وذلك عبر بناء شبكة من العلاقات والمصالح الإستراتيجية طويلة المدى فى مجالات الصناعة والخدمات والعلاقات الثقافية، مما يؤذن بعودة طريق الحرير مرة أخرى والمعادل الموضوعى لمراكز استراحة القوافل القديمة على طريق الحرير الجديد، وهو ما يطلق عليه فى الوقت الراهن «الرابحون الإقليميون» والتى تشمل مدنا مثل: أبو ظبى، دبى، بكين، مومباى، شيناى، طوكيو، الدوحة، كوالالمبور، سنغافورة، هونج كونج، الرياض، شنغهاى.

وتشدد «نادية حلمى» على أن السعى العربى والإسلامى للصين لا ينبغى أن يكون مجرد رد فعل على التوجه الإسرائيلى الذى بدأ ينسج عرى تحالف مستقبلى معها، حيث تطورت العلاقات بين الدولتين بسرعة لافتة للنظر، حيث اعتادت إسرائيل أن تغير تحالفاتها وفقا لتوجهات رياح المعادلة الدولية. ورغم ذلك فهناك اهتمام صينى متزايد بصعود التيارات الإسلامية فى العالم العربى، ولاسيما فى مصر بعد ثورات الربيع العربى، وعلى رأسها الجماعات السلفية، وأضحى لها جمهورها ومؤيدوها لدى بعض القطاعات فى الشارع المصرى، فضلا عن التساؤل الصينى المتزايد حول الفروق الجوهرية بين السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين، بل بينهم وبين الجماعات الإسلامية الأخرى فى الشارع السياسى المصرى؟

وأضافت الخبيرة فى الشئون الصينية قائلة: «إن الصين سيكون عليها الدفع بالمجامع العلمية الصينية عموما، والباحثين الصينيين المعنيين بقضايا الإسلام السياسى على وجه الخصوص إلى إطلاق برامج بحث علمية همها الرئيسى فهم ديناميات الإسلام السياسى ومسارات الحركات الإسلامية التى تعج بها المجتمعات الإسلامية، عربية وغيرها.

وأخيرا تشير الخبيرة فى السياسة الصينية إلى أن الصين حتما ستتعامل مع هذه الحركات لسبب رئيسى. فمن الناحية السياسية دفاعا عن مصالحها. فستدخل فى حسبانها إمكانية بلوغ هذه الحركات الحكم. فإذا وصلت بطرق ديمقراطية عن طريق انتخاب الشعب لها، فحينها ستجد الصين نفسها فى حاجة إلى التعامل معها دفاعا عن مصالحها فى المنطقة، ودفاعا عن جوهر مصلحتها الوطنية فى المقام الأول.

وطالبت الخبيرة الإسلاميين فى العالم العربى عموما، وفى مصر على وجه الخصوص، بالتعرف على أساليب البحث عن المصالح والسياسة الدولية ،«لقد بات كل العالم يدرك أن تلك الأنظمة الشمولية التى انكسرت فى المنطقة العربية لن يرأب صدعها أحد. وأن واقعا جديدا يتكشف فى المنطقة بأسرها. وأن التيار الإسلامى هو أحد صانعى هذا الواقع الجديد، وهذا أمر لا بد من الاعتراف به، لذلك فإن دولا كثيرة، وعلى رأسها الصين، سوف تسعى للتعرف عليهم لتوشيج العلائق بهم أو لتطويقهم واحتوائهم وفى كل الأحوال فإن الموقف الانكماشى السلبى لن يجدى نفعا.

كما أن الاندفاع فى تبنى الخيارات دون التروى والتثبت لن تكون عواقبه محمودة. لقد بات الإسلاميون وعلى حين فجأة فى دائرة الفعل السياسى، بل والدبلوماسى ويتوجب عليهم النضوج بالسرعة اللازمة. وأن يتعلموا أن لغة الإشارات هى اللغة السائدة. وليس لغة المقابلات أو حفلات الاستقبال التى قد يتذكر كثيرون الآن إضافة أسمائهم إلى قوائمها.

ولقد جاء فى الأثر (اطلبوا العلم ولو فى الصين) وفى هذه الحالة فالصين تعد هى الخيار الاستراتيجى الأمثل، خاصة لمجابهة القوة الأمريكية فى المنطقة، ولتبنى مواقف أكثر عقلانية تجاه إسرائيل، وهو ما يستلزم تقاربا عربيا ــ صينيا فى مواجهة التقارب الأمريكى ــ الإسرائيلى لصياغة أكثر ملاءمة لمصالحنا فى العالم. كما قالت حلمى.

كتبه عبدالعزيز صبرة.. ونقلناه للمواطن عن جريدة الشروق المصرية