/

مقال الرأي

أحوال الناس

المدونات النسوية نقطة ضوء وأخرى في الظلام



حركة التدوين النسوي في تحرير "قضايا المرأة" من أسر الورق والتقارير والفعاليات المُحاصرة بالجدران.. استثمار التدوين في كسر الحصار على غزة وتسليط الضوء على قضايا الأسرة والمجتمع وتفاصيل الحياة اليومية التي غالبا ما يركّز عليها الاعلامي المرئي.. دور التدوين في تحرير صرخات الأسرى وتوثيق الحياة الفلسطينية تحت الحصار ونقل معاناة الإنسان الفلسطيني بلغته وحروفه وو.. هذه الأمور وغيرها، تستعرضها الاستاذة الاعلامية هداية صالح بوصفها اعلامية وباحثة ومدونة..

المدونات النسوية نقطة ضوء وأخرى في الظلام ---- الإعلاميات نموذجا/ بقلم: هدايه شمعون - غزة - نقلا عن " وكالة أخبار المرأة "

مدخل: تعد المدونات نوعاً جديداً ومختلفاً من أنشطة النشر الإلكترونى التى بدأت فى تغيير المعادلات القائمة فى العالم خاصة فيما يتعلق بإنتاج وتوزيع المعلومات. ولعل هذا ما دفع بعض الباحثين إلى القول بأن المدونات تمثل بداية ثورة جديدة وواسعة في صناعة النشر.كما يؤكد البعض الآخر أن قدرة الأفراد على إنتاج النصوص ونشرها بسهولة ومجاناً فى مدوناتهم دون الحاجة إلى الحصول على تصريح بالنشر من محرر أو ناشر ربما تنقل الصحافة إلى آفاق جديدة وتجعل بيئة العمل فى وسائل الإعلام التقليدية أكثر ديمقراطية.
يتكون مصطلح المدونات من webiog المأخوذ من اللغة الانجليزية من كلمتين هما((web وتشير إلى الشبكة العنكبوتية الدولية للمعلومات، ولوغ (log) وتعنى تسجيلاً أو دفتراً، لتصبح الكلمة سجلاً لتدوين الملاحظات على الوب.
والمدونة هى صفحة انترنت تظهر عليها تدوينات صاحبها أو أصحابها مؤرخة ومرتبة ترتيباً زمنياً تصاعدياً أو تنازلياً، تصاحبها آلية لأرشفة التدوينات القديمة، ويكون لكل تدوين عنوان دائم مما يمكن القارئ من الرجوع إليها فى وقت لاحق. وتمكن المدونات المستخدم من نشر ما يريد على الإنترنت مع إمكانية حفظ ما ينشر بطريقة منظمة يمكن الرجوع إليها، كما تمكن قراءها من إدخال تعليقاتهم على ما يقرؤونه على الصفحة مباشرة أو عبر البريد الإلكترونى للمدون.
إن من أهم مميزات المدونات كوسيلة جديدة للاتصال تخدم التدوين النسوي بشكل أو بآخر خاصة في ظل التقاليد والعادات التي تقيد المرأة الفلسطينية وثقافة الممنوع والحجر على إمكاناتها وإبداعاتها، ففي المدونات غالباً ما تدار وتحرر من شخص واحد أو مجموعة، وبالإمكان الافصاح عن معلوماتها واسمها أو تجاهل الأمر والاكتفاء بالرمز أو بأسماء مستعارة، فكما كانت بعض الكاتبات الأوائل يكتبن بأسماء مستعارة خوفا من تقاليد مجتمعاتهن أو خوفا من معرفتهن فإن المدونة تتيح الكتابة بدون اسم أو تحت أسماء رمزية أو مستعارة ما يهم في اتاحة متسعا أكبر من الحرية للتعبير عن الرأي والصراحة ونزع الخوف والتردد.
كما وتأخذ المدونات شكل اليوميات المرتبة زمنياً والتي يتم ترتيبها فى فئات بسيطة، ولا تحتاج لمهارات عالية في فن استخدام المهارات التقنية أو مهارات التصميم والإخراج، بالإضافة لسهولة تجديدها وتحديثها باستمرار. إذ يمكن بثها بشكل مباشر ولحظة بلحظة، ليتسنى للآخرين فى العالم الاطلاع على مضمونها والتعليق على ما تحتويه من معلومات وأفكار. وتشجع أكثر على التعبير الحر عن الآراء ووجهات النظر والأسلوب الذاتي لأصحابها، كما تشجع على النقاش مع الزوار والمدونين الآخرين. (1)
لقد بدأت المدونات العربية في الظهور بشكل تدريجي منذ 2003، لكن عددها كان قليلاً آنذاك، ولم تكن كلمة "مدونة" شائعة باللغة العربية. ورغم قلة عدد المدونين آنذاك، إلا أن جودة المدونات كانت لافتة. وخلال السنة التالية بدأت ظاهرة التدوين في الانتشار وسط مستخدمي الإنترنت العرب، وبدأت الصحافة العربية تقارب، ولو بشكل محدود، موضوع المدونات. ثم ظهرت خدمات تدوين مجانية باللغة العربية، لتبسيط إنشاء المدونات للعرب، وبدا في الأفق أن ثورة جديدة قادمة؛ ثورة على غرار "ثورة المنتديات" التي أنتجت في حينها آلاف المنتديات المتشابهة التي ينقل بعضها عن بعض! وتحقق ذلك في 2007، حيث بدأت المدونات العربية تتناسخ بكل سلبياتها وايجابياتها، وبدأت أحلام المراقبين تنهار بتناقص جودة المدونات العربية ودخولها مرحلة من الركود ما زال مستمرا حتى الآن.
فخلال السنوات الأولى لانتشار التدوين عربيا، كانت خدمة Blogger المملوكة لجوجل أفضل وأشهر خدمة تدوين مجانية، لكن بحكم أنها كانت بالانجليزية فقط، بقيت حكرا على فئة من مستخدمي الانترنت العرب، القادرين على التعامل مع اللغة الانجليزية وعلى الصعوبات التقنية لبلوجر. لم يكن إنشاء المدونات آنذاك سهلا، لذلك كان عددها قليلاً. لكن في وقت لاحق، ظهرت خدمات تدوين عربية أرادت تقديم خدمات شبيهة ببلوجر، غير أنها، لأسباب مختلفة، ساهمت في تفريخ مدونات لا تقدم أي جديد، وأحياناً تساهم في إحباط مدونين آخرين مميزين.(2)
وبحسب رئيس اتحاد المدونين العرب (3) فإن أكثر الشعوب العربية تواجدا على ساحة التدوين هما الشعبين المصري والمغربي، وهما يملكان أكثرية المدونات على شبكة الانترنت، بينما أقلها هي الشعوب الخليجية لاسيما الشعبين العماني والقطري، فيما يتعاظم الاستخدام السعودي للمدونات بشكل متسارع، أما عن التواجد الفلسطيني فهو ضئيل جدا رغم أن الشعب الفلسطيني هو أحوج شعوب العالم لها من أجل فضح الممارسات والجرائم الإسرائيلية وعدوانها المتواصل على الأراضي الفلسطينية، ويكاد الوجود النسائي العربي يختفي عن ساحة التدوين العربي، وإن وجدت قد تكون بأسماء مستعارة تنشغل بأمور الأدب والشعر وكتابة الخواطر والطهي.
ونفترض في هذا المقترح أن هذا التحليل يبقى عاما وغير دقيق لأن هنالك حاجة لحصر الكتابات من المدونات النساء والعمل على تحليل مضمونها للتمكن من تحديد الفئات الأكثر اهتماما حسب المنهج العلمي.
وفي دراسة المرأة العربية والانترنت لإيهاب جمعة 2009 فقد أكدت الدراسة أن القضايا التي تناولتها التدوينات الفلسطينية جاءت فيها مناصرة القضية الفلسطينية في المرتبة الأولى بين القضايا التي تم فيها التدوين بنسبة 55%، وجاءت قضايا المرأة بنسبة 40% تناولت فيها حق المرأة في الأمان والحرية والمساواة وضغوط المجتمع والاحتلال، بينما تناولت 5% من التدوينات قضايا التكنولوجيا والرياضة والطرائف.
كما أوضحت الدراسة أن غالبية المدونات الفلسطينيات – مجتمع الدراسة هن طالبات بمراحل التعليم المختلفة، أو يعملن بمهنة الصحافة. (4) وتوصلت الدراسة من خلال تحليل مضمون المدونات الفلسطينية النسائية إلى نتائج عديدة منها أن ارتفاع مستوى التعليم بالإضافة إلى انخفاض السن يعدان من أبرز السمات الديموجرافية للمدونات الفلسطينيات كذلك ميلهن إلى التدوين فى القضايا العامة واستخدام مدوناتهن لمناصرة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين فى اقامة دولتهم المستقلة من جهة وللتعبير عن معاناتهن الخاصة كنساء من جهة أخرى.
ومن أهم ما أكدت عليه الدراسة أن هذه المدونات وفرت بشكل غير معتاد مساحة من الحرية للمرأة الفلسطينية للتعبير عن مختلف المشاكل والهموم التي تعانيها المرأة على الصعيد الشخصي أو الوطني. وقد أجمعت تقريبا كل المدونات الفلسطينيات على استخدام مدوناتهن لمناصرة القضية الفلسطينية رغم اختلاف التوجهات السياسية فيما بينهن ( ليبرالية– اسلامية او الانتماء لفتح – حماس- الجبهة الشعبية) وتعددت الأشكال الفنية من مقال وشعر وقصة قصيرة وكاريكاتير وتصاميم. وعبرت المدونات عن هم عميق بسبب احتلال الأراضي الفلسطينية ورغبة فى الحرية والديمقراطية وغضبا لغياب الحلول العادلة وتحقيق السلام.
وعلى الصعيد الفلسطيني أيضا فإن شبكة أمين التي تعتبر من أكثر الشبكات الفلسطينية اهتماما بالتدوين فقد بلغ العدد الكلي للمدونات فيها 1488 مدونة، وبلغ عدد الزيارات الكلي لهذه المدونات 3557000 زائر من تاريخ 10 يونيو 2009 (5)
أما عدد المدونين والمدونات الذين يدونون عبر موقع شبكة أمين الإعلامية والذين صنفوا أنفسهم أنهم يدعمون القضايا النسوية فبلغ عددهم 225 مدونة. وعدد المدونات التي صنفت نفسها أنها تتحدث عن غزة فبلغت 234 مدونة، ولم تتح إمكانات التسجيل المتبعة في الشبكة معرفة كم عدد الإناث وكم عدد الذكور لهذه المدونات، الأمر الذي يزيد من صعوبة حصر المدونات النسوية من المعلومات والبيانات المسجلة لذلك فإن هنالك ضرورة ملحة لتحليل المضمون لنماذج من هذه المدونات، ومعرفة حقيقة إن كانت تهتم فعلا بالقضايا النسوية وتوظف المدونة لتحقيق هذا الهدف.
وفي الإطار النسوي تتنوع كتابات المدونات الفلسطينيات ما بين الهم الوطني وهو الغالب على محتوى المدونات، وما بين الهم النسوي الخاص وقضايا حقوق المرأة في المجتمع الذكوري، وهن في هذا المقام يعبرن عن مشاعرهن الخاصة ويقدمن صورة لعوالمهن الخاصة
فقد أتاحت الشبكة العنكبوتية مساحات كبيرة للنساء للتعبير عن آراؤهن ومعاناتهن وأفكارهن وعن توجهاتهن أيضا، بعضهن يدركن تماما أنها فرصة مهمة للاستثمار فعبرت مدوناتهن عن وجودهن الانساني والفكري والوطني، وبعضهن يحاولن أن يسجلن كلماتهن تعبيرا عن أفكار غير متبلورة بعد فتجدهن يكتبن نثرا وخواطر تعبر عما يدور في خوالج أنفسهن في أوقات معينة بعضها ذكرياتهن مع حرب غزة والحصار الجاثم على أنفاسهن، وبعضهن عبرن عن أحلام مفقودة ومساحة حرية مبتورة وهن يمثلن شريحة كبيرة فمعاناة الإناث في المجتمع الفلسطيني مسكوت عنها رغم كافة الجهود النسوية والحقوقية لرصد وتوثيق هذه الانتهاكات.
مدونات الإعلاميات الفلسطينيات نموذجا:
" كانت يداها مكبلتين وتعاني من إرهاق جسدها، تلقت ضربة على ظهرها فلم تعد تعي ما حدث معها وعلى أثر ذلك تم نقلها إلى المستشفي، وأوضح الأطباء أن مشكلة ما أصابت ظهرها، لكنهم تجاهلوا الأمر ونقلوها إلى المعتقل حتى تتم مواصلة عملية التحقيق, فعلقوها من قدميها بسقف الغرفة وجعلوا رأسها في الأسفل، ضربوها في فكها الأسفل، وواصلوا تعذيبها واهانتهم لكرامتها الانسانية، أصابها الضرب المبرح في أنحاء جسدها، ولكن ... تحملت كل هذا من أجل تراب الوطن ومن اجل من عاهدتهم بمواصلة النضال. تعاني رحاب الأسيرة الفلسطينية المحررة الآن من آثار كل ألوان التعذيب التي ذاقتها في السجن وخلال التحقيق من الآم في القدمين والظهر وغيره ." بهذه الكلمات تفتتح أماني الفزع ودارين أبو دقه المدونتان من قطاع غزة مدونتهما وترويان تجربة الأسيرة الفلسطينية المحررة رحاب وذلك ضمن مشاركتهما في حملة إعلامية تحت عنوان" أسيرات خلف القضبان الحرية موعدنا" التي شاركت فيها أكثر من 20 شابة فلسطينية منهن الإعلاميات وطالبات الإعلام أو خريجات جامعيات ومهتمات عزمن على التعريف بقضية الأسيرات الفلسطينيات وساندهن كل من ملتقى إعلاميات الجنوب في قطاع غزة، ومؤسسة فلسطينيات برام الله، حيث حاولت المشاركات من خلال التدوين تنفيذ حملة مناصرة للنساء الفلسطينيات المعتقلات في السجون الإسرائيلية.(6)
ومن بين المدونات الشابات كانت أماني أبو جلالة طالبة الإعلام في المستوى الرابع بجامعة الأقصى بغزة والتي لم تتجاوز الـ 23 عاما، والتي وهبت كتابتها وجهودها الإعلامية لنقل قضايا الأسرى والأسيرات في السجون الإسرائيلية فكتبت شعرا وتقريرا ونصا ولازالت فليس غريبا على خطيبة أسير فلسطيني محكوم بالمؤبد أربع مرات ولازال يعاني خلف سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعايشت مأساته ووفاة والده ووالدته وأخيه، فوجدت نفسها وقلمها وحياتها بأكملها أبسط ما يمكن أن تقدمه لمن سيكون زوج المستقبل، ولا معنى لشىء في حياتهما باستثناء رسائل الصليب الأحمر التي تنقل بينهما في نهاية كل أسبوع، هو أيضا يكتب الشعر وهي تكتب في الصحافة وتدون ما يمكنها أن تعبر فيه عن همومها ووجعها الخاص فهي ممنوعة أمنيا من زيارة خطيبها بالإضافة لأن أهالي الاسرى في قطاع غزة كلهم محرومون من زيارة أبناءهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2006.
أماني أبو جلالة صاحبة مدونة " صرخة قيد"(7) وهي كما وصفتها على الشبكة العنكبوتية مدونة تعنى بالأسرى وهمومهم، آلامهم وآمالهم وسر صمودهم خلف القضبان- تقول:" لقد جاءت مدونتي ضمن إطلاق حملة أسيرات خلف القضبان، ولكني أراها نافذتي الوحيدة الآن، واهتماماتي منصبة على قضايا الأسرى والأسيرات في السجون الإسرائيلية لأني لا أرى أبدا أن وسائل الإعلام المحلية أو العربية قد أعطت هذه القضية حقها، فهنالك تقصير كبير من وسائل الإعلام في طرح معاناة هؤلاء الأسرى، وتكتفي بالأخبار والسطحية في التغطية وأعتقد أني فور تخرجي هذا العام سأعطي هذه القضية كل جهودي الممكنة لأنها تستحق أن تكون في الصدارة، وكثيرا ما استفزني أن الكثيرات من زميلاتي بالجامعة لا يعرفن أن هناك أسيرات فلسطينيات في السجون الإسرائيلية، فلا يعرفن قاهرة السعدي، ولا آمنة منى ولا حتى وفاء البس الأسيرة الوحيدة من غزة وهو أمر يخجلني ويجعلني أتحمل مسؤولية التعريف بهؤلاء الأسيرات ليعرف الجميع بمعاناتهن داخل السجون ومن ثم ضرورة أن ينصفهن الإعلام الفلسطيني فهن ناضلن لأجل فلسطين والقضية الفلسطينية." (8)
وكتب لها خطيبها الأسير في سجن نفحة الصحراوي ونشرتها في مدونتها وعدة مواقع أخرى كتب مخاطبا إياها:
أيتها الأماني ...
كُنتِ: حُلمي... ورفيقة دربي
توأم روحي... وبلسم فؤادي
كُنتِ:
مهبط وحي نثري وأشعاري
كُنتِ: تُلازمني... كظلي...
في صبحي... ومسائي..
تقاسميني ...
حُلمي... ورغيفي..
تجرين مع.. دمي
تغذين... قلبي... وعقلي
بالأمل الموعود
بالدفء المفقود (9)
وعن الرسائل التي تتبادلها أماني مع خطيبها الأسير تقول:" لقد ساهمت بنشر بعض قصائده عبر مدونتي وفي منتديات ومواقع مختلفة، فهذه الرسائل هي كنزي الآن وربما يأتي اليوم الذي أنشرها عبر مدونتي، لكني آمل أن يفرج عن جميع الأسرى والأسيرات من سجون الاحتلال الإسرائيلي في القريب العاجل"
لقد حرمت سجون الاحتلال الإسرائيلي المدونة أماني والأسير محمد من أن تكون حياتهما طبيعية، وأن يسعدا بخطبتهما ولا يعلمان في ظل المؤبدات التي تحول مستقبلهما لمجهول مخيف متى يمكن أن يحققا أحلامهما، إلا أنهما وجدا في المدونات والنشر الإلكتروني مساحة للتعبير عن ذواتهما وحاصرا سجنهما الكبير بالكلمات والنشر وهي سابقة تحسب كونهما فلسطينيان يعيشان في ظل الممارسات الإسرائيلية المنتهكة لحقوق الإنسان وكافة المعايير والمواثيق الدولية.
هذا وأشارت الإعلاميات أن من أهم أهداف الحملة الإعلامية التي قمن بتنفيذها، تسليط الضوء على معاناة النساء الفلسطينيات في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وتوجيه الإعلام المحلي والعربي لخصوصية وضع النساء الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كذلك تشجيع الإعلاميات الفلسطينيات على تبني رسالتهن الإعلامية تجاه الأسيرات الفلسطينيات تحديدا والأسرى بشكل عام، بالإضافة إلى إبراز الانتهاكات ضد النساء الفلسطينيات من قبل الاحتلال أثناء وبعد عملية الاعتقال، وضرورة استثمار المدونات لصالح قضايا المرأة الفلسطينية وتحديد قضية محددة في كل حملة ترافقا مع وسائل الإعلام الأخرى
وأشارت الإعلاميات من خلال مدونتهن أن حملة مناصرة الأسيرات هي ضمن أولويات الاعلاميات الفلسطينيات، رغم أن معاناة المرأة الفلسطينية في زنازين الاحتلال الإسرائيلي هي معاناة صامتة، تتم بعيدا عن وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية ولكن أيضا ما دفع الإعلاميات للقيام بحملة مناصرة جاءت إثر نشر شريط فيديو صادم للأسيرة المحررة إحسان دبابسة – ويبرز مدى الجرائم المرتكبة بحق النساء والطفلات الفلسطينيات في أثناء التحقيق أو في تجربة الاسر بأكملها، ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق الدولية، الأمر الذي يدعونا كإعلاميات وإعلاميين ومؤسسات لضرورة التحرك والمساهمة في فضح هذه الانتهاكات ليبقى صوتهن مسموعا، ولتبقى المرأة الفلسطينية دوما منارا للعزة والفخر في مجابهتها سياسات الاحتلال الإسرائيلي.
ومن أهم أدوات هذه الحملة هي المدونات وصفحات الفيس بوك وورش العمل وكافة الوسائل الإعلامية الأخرى من إذاعة ومواد مكتوبة وغير ذلك
ومن أهم انجازات حملة أسيرات خلف القضبان تضامن اتحاد المدونين العرب مع الحملة، بالإضافة إلى عدة ورش مع مؤسسات أهلية وحقوقية لإثارة الموضوع وبالأساس كتابة وتدوين ما يزيد عن 50 موضوعا ما بين مقال وتقرير وخبر وحوارات وقصص إنسانية ونشرها عبر الفضاء الالكتروني، كما أن الحملة أثارت اهتمام إحدى الفضائيات العربية وهي قناة الجزيرة الفضائية والتي قامت بإعداد تقرير عن دور الإعلاميات في نقل قضايا الأسيرات الفلسطينيات عبر الإعلام كما استضافت إحدى المشرفات وعدد من الصحفيات في بث حي ومباشر بالإضافة لأسيرة محررة.
كما أثارت الحملة اهتمام عدد من الإذاعات المحلية التي بدورها خصصت برامجا وحلقات وتم استضافة العديد من الصحفيات المشاركات في الحملة عبر أثير الراديو الأمر الذي تعتبره القائمات على الحملة نجاحا وتحقيقا لهدفهن في كشف معاناة النساء الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، وعن طموحهن أشرن أنهن بصدد التخطيط لحملة دولية للتعريف بمعاناة الأسيرات الفلسطينيات داخل السجون الإسرائيلية وبالتعاون مع المؤسسات الحقوقية والأهلية.
كما قامت الإعلاميات الفلسطينيات بإنشاء صفحة على الفيس بوك حول الأسيرات الفلسطينيات وتنوعت الموضوعات فيها ما بين نص نثري، وتقارير تصف الوضع الإنساني للأسيرات الفلسطينيات، ومشاهد مرئية توضح معاناة الأسيرات والانتهاكات اللانسانية التي يتعرضن لها في السجون الإسرائيلية، ومقالات من كتاب وصحافيين تضامنوا مع الحملة وعبروا بأقلامهم عن معاناة الاسيرات والأسرى وأهلهم أيضا في رحلات العذاب لزيارتهم في المعتقلات الإسرائيلية، فقد شارك الصحفي والكاتب بسام الكعبي بمقالة مطولة تصف الوضع المأساوي لزيارة المعتقلين بعنوان " جمر المحطات في الطريق إلى "نفحة" الصحراوي" كما شارك الكاتب توفيق أبو شومر بمقالة خصها للحملة بالإضافة لمشاركات عديدة جاءت تفاعلا مع الحملة الإعلامية.
فكتب أبو شومر: تضامنا مع حملة نساء خلف القضبان- تحت عنوان: الأسيرات تيجان وطنية:
"إن للاحتلال خطةً في استهداف المناضلات الفلسطينيات باعتبارهن أساس البُنية الرئيسة للنشء، وكان جنود الاحتلال يعاقبونهن عقوبات تهدف للإخلال بتوازنهن النفسي والاجتماعي، حتى يخرجن مشوهات يحملن أمراضا اجتماعية ونفسية خطيرة تؤثر على جيل المستقبل! غير أنهن تمكنَّ من الوقوف في وجه هذا المخطط ، ونجحن في اختبار الصمود بفضل إرادتهن النضالية القوية." (10)
أما شيريهان إحدى المدونات الفلسطينيات المشاركات في ذات الحملة والتي أسمت مدونتها" أوراق الخريف" فتقول عن إنشائها مدونتها الخاصة: " خطوة بمية مليون، لأول مرة حياتي احس اني حرة واحس اني فرحانة تصدقوا حأكلمكم عن شيء من دون ما اجيب سيرة الاحزان، خطيت خطوة هي بالنسبة لي خطوة أغلي واحلي من كل كنوز الدنيا حاسة نفسي حالاقي ذاتي بعد ما اشتركت في دورة .. دورة عن تدريب اعداد المدونات ومهارات العمل الاعلامي فمن دون الدورة ما كنتم قدرتم تقرءوا خواطري وما كنت قدرت اتواصل معكم، تعلمت أن احكي بدون حدود، احكي واعبر عن كل شيء بالوجود، أعبر عن مشكلات مجتمعي واثق بحالي كمان وكيف أشارك الآخرين أفكاري، انا الحين قدرت الاقي حالي "
وهذا يعطي مدلولا على مدى أهمية التدوين في حياة الاعلاميات الناشئات والآفاق التي فتحها مجال التدوين، فبعد أن كانت قليلة النشر كثيرة الكتابة أصبحت ترى في مدونتها المنفذ الذي سينقذها من كافة المشاكل الشخصية والعملية وشكل لها حافزا لنشر ابداعاتها وكتاباتها، وهذا نموذج من تجربة الاعلاميات الناشئات ويؤكد على ضرورة تحفيزهن ودمجهن بكافة أدوات الاعلام التفاعلي.
وفي مدونة أخرى للإعلامية وفاء أبو خصيوان أيضا شاركت في حملة التضامن مع الأسيرات كتبت رسالتها إلى أسيرة فلسطينية لم تعرفها إلا من خلال الإعلام فكتبت تقول:
"رسالتي إلى الأسيرة الاعلامية أحلام عارف التميمي
عزيزتي أحلام التميمي
"ها أنا اكتب اليك كأخت لك تحس بالمعاناة التي عشتها في ذلك السجن العقيم، وأكتب لك كزميلة في مجالك الاعلامي ، وأؤكد لك بأن قضية الأسيرات باقية وستبقي في قلوبنا إلى أن يتم الافراج عنكن جميعا، أحملك أحلام سلامي إلى جميع الأسيرات التي تستطيعين رؤيتهن لأنكن شموع تضيئ لنا طريقنا لمواصلة الجهاد والنضال لدحر الاحتلال عن ارضنا المقدسة.
أقول لك بأنني وجميع الفلسطينيين والفلسطينيات معكن في قضيتنا قبل أن تكون قضيتكم الخاصة لأنكم جزء لا يتجزأ منا رغم ما نعانيه من حصار ودمار في سجننا الكبير غزة، إلا أننا سنبقي صامدين بصمودكن والحرية موعدنا وموعدكن. وأخيرا أتمني من كل قلبي الافراج عنك وعن جميع الأسيرات لتحتضني أهلك وتقبلي الأحبة وتجتمعي بمن أحب إلى قلبك زوجك الأسير نزار التميمي فك الله أسره"
وفيما سبق يعطي مدلولا على أهمية المدونات وأدوات التفاعل الأخرى لخدمة أهداف ورؤية الاعلاميات الفلسطينيات، وتعزيز تضامنهن مع الأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال وهو ما يصب في صالح المرأة الفلسطينية والجهود المبذولة للكشف عن الانتهاكات التي تعانيها المرأة الفلسطينية الأسيرة.

وكما لاحظنا من النموذج الاعلامي الذي طرح في سياق هذه الورقة فإننا نشير إلى بعض المميزات لاستخدام الإعلاميات للمدونات كالتالي:
- يمكن أن تحقق الإعلاميات نجاحا قويا في مجال حملات المناصرة والتوعية باستخدام أدوات الإعلام التفاعلي وتنوعها.
- سهولة الكتابة والنشر متاحة في ظل إيمان الإعلاميات بهدف ورؤية واحدة.
- لدى الإعلاميات رغبة واهتمام جيد بكافة أدوات الإعلام التفاعلي.
- تحتاج الإعلاميات إلى المشاركة في التخطيط والإعداد المتكاثف وتجسيد روح الجماعة وقد برز هذا بشكل أو بآخر في النموذج المطروح.
- توجد الكثير من القضايا التي بالإمكان أن توحد الإعلاميات وتثير اهتمامهن للمشاركة.
بينما وجدنا أيضا أن هنالك بعض السلبيات تمثلت في:
- عدم استمرارية المشاركات الإعلاميات في جهودهن كما بدايات التدوين.
- المشاكل التقنية تقف عقبة في بعض الأحيان في سبيل استمرارية العمل، وقلة مهاراتهن التقنية يلزمهن اللجوء دوما للمساعدة.
- مشاكل انقطاع التيار الكهربائي المتكررة تتسبب في تأخير المتابعات اليومية، وربما في فتور الكتابة والنشر المتواصل.
- قلة وعي ونضوج بعض الإعلاميات بكونهن قائمات بالاتصال وعلى كاهلهن رسالة وواجبات وطنية ومجتمعية.
من أهم نتائج وتوصيات الورقة البحثية:
- هنالك حاجة ضرورة لدراسة لتحليل مضمون أهم المدونات النسوية ذات الطابع الفردي أو المؤسساتي.
- تبرز ملامح لجيل جديد من الإعلاميات يستثمرن كافة أدوات التفاعل الإعلامي المجتمعي ولكنهن بحاجة لدعم معرفي ومعلوماتي أكبر.
- تفتقد المؤسسات النسوية لفهم مدى أهمية التدوين وما يمكن أن تقوم به من حملات إعلام ومنارة للقضايا النسوية ذات العلاقة، وعدم الارتهان فقط للمشاريع ووجود تمويل أو لا، وقد بدأت تخطو بعض المؤسسات لهذا التوجه.
- هنالك إمكانات إبداعية عالية لدى الإعلاميات والمهتمات وبحاجة للاستثمار لصالح قضايا المرأة الفلسطينية.
- رغم كافة الظروف السياسية ومشكلة انقطاع التيار الكهربائي إلا ان الإعلاميات يتحايلن على هذه المشاكل ويتمكن من مواصلة التدوين لكشف تفاصيل المعاناة اليومية للنساء وللشعب الفلسطيني.
- هنالك ادراك كبير بأهمية التدوين وكشف ملامح المعاناة المجتمعية والأخرى الخاصة بالاحتلال والحصار والإغلاق المستمر لقطاع غزة وهذه اللمسات يفتقدها الاعلام المحلي والعربي وتقدمها المدونات.
- يوجد تفاوت في الاهتمام لموضوع التدوين فهو لازال في بداياته من قبل المؤسسات النسوية بعضها اقتصره على تكريم المدونات الشابات وبعضه من خلال دورات تدريبية مبتدئة، بينما مؤسسات أخرى استثمرته كأداة إعلامية فاعلة، ولكنها أيضا لم تواصل الجهد كما بداياته.
- تهتم الاعلاميات بإعادة نشر كتاباتهن من قصص صحفية أو حوارات أو تقارير وأحيانا أخبار تغطيات إعلامية، وبعضهن لديهن ملكة الكتابة الأدبية فكانت مدوناتهن دمج ما بين كتابات أدبية وصحفية وشخصية تعبر عن حالتهن النفسية وهويتهن.
- رافقت العديد من مدونات الإعلاميات دمجا مع إنشاء صفحات خاصة على الفيس بوك وربطه بالبريد الالكتروني والتويتر، إلا أنها تعتبر اهتماما لدى الفئة الأقل منهن ولازلن في بداية الطريق.
- هنالك أهمية للتعرف على دوافع الإعلاميات لانشاء مدونات خاصة بهن، وأيضا لمعرفة سبب عدم استمرارية الكثير منهن في التدوين وهل له علاقة بالمسؤوليات المهنية أو الأسرية أومشكلات أخرى، كذلك من المهم معرفة الفروق بين مدونات الإعلاميين والاعلاميات الفلسطينيين واهتماماتهن والقضايا التي يعملون على طرحها.
- أيضا هنالك أهمية لمعرفة الضوابط والقوانين التي تحمي الاعلاميات في حال سرقة كتاباتهن وهنالك الكثير من التجارب في هذا الشأن ولا يوجد رادع لعدم تكرارها أو محاسبة فاعليها.
إن نافلة القول أن الإعلاميات والنسويات حتى اللحظة لم يستثمرن ولم يدركن إلا ما نذر مدى أهمية أدوات التفاعل الاجتماعي الإعلامي وهذه التجربة الفلسطينية الخالصة إنما هي خطوة أولى لما يمكن أن تقوم به الإعلاميات الفلسطينيات والنسويات لما يخدم قضايا المرأة الفلسطينية، ويمكنها من خوض الفضاء الإلكتروني بقوة فلا بيت يخلو الآن من جهاز كمبيوتر وخدمة الانترنت لذا بالإمكان إعادة ترتيب أولويات العمل لقضايا النساء الفلسطينيات وبالإمكان أن يعملن دون أن ينتظرن السياسات الإعلامية أو القرارات الذكورية في المجال الإعلامي إن وحدن جهودهن ووضعن هدفا ورؤية واحدة لتكون نقطة الانطلاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(هداية صالح شمعون) منسقة برنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة وإعلامية

المراجع:
(1) المجلة المصرية لبحوث الرأي العام دورية علمية محكمة نصف سنوية تصدر عن مركز بحوث الرأي العام بكلية الإعلام – جامعة القاهرة المجلد الثامن – العدد الثالث- يوليو سبتمبر2007
(2) محمد الساحلي:أزمة المدونات العربية: التدوين في متاهات البحث عن التنويرhttp://ar.qantara.de/webcom/show_article.php
(3) مقابلة مع محمد كريزم رئيس اتحاد المدونين العرب
(4) باحث ببرنامج الدراسات العليا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
(5) مقابلة مع خالد الشرقاوي: شبكة أمين
(6) http://asieerat.maktoobblog.com
(7) www.55freedom.maktoobblog.com
(8) مقابلة مع أماني أبو جلالة صاحبة مدونة صرخة قيد
(9) http://www.paldf.net/forum/showthread.php?p=2690936
(10) http://asieerat.maktoobblog.com