العنزة الملمّعة
وأنا وسط هذا الكم الهائل من الجثث البشرية المترامية، والكلام المتناثر، لا أجد بدا من الاستماع لكل اللغو الذي يفترس أذني.
الموضوع هو ذاته دائما. ..هل أنا حرة؟
هذا السؤال هاجس المرأة الذي لا تتوقف عن طرحه.
ففي كل مكان أقصده، وحيث ما تلفتّ، وجوه نساء بكافة الألوان والأشكال الجميلة والمقبولة وحتى الدميمة، وبكافة الأحجام الممتلئة والرفيعة. ..نساء بكل المقاسات يتبادلن أطراف الحديث... كلام في كل شيء وعن كل شيء.
كلام ينساب كالماء، وآخر ينزل على رأسي كالصاعقة يفتت ما تبقى في الذهن من قدرة على التفكير.
حديث عن الرجل وعن الحب.
حب يرتعش. ..حب محنط. ..وحب يغرق.
نساء جميلات أنيقات يحملن فؤوس اللغو وينهلن على شجرة الرجل تقطيعا
رجل خائن، رجل قاس، ورجل جاحد.
أصواتهن ترتعد. .وجوه تصفر وتتلون بالشحوب.
الكلام يرجف بين شفاههن.
قالت ا حداهن :إني أموت فالطير الذي ربيت حلق بعيدا ولم يعد.
هو الآن يبحث عن حمامة تليق بمقامه الجديد.
"....أنا من نحتت الصخر لأجله وأعدته بناء نفسا، نفسا...".
"....أنا من غرقت في الوحل ليمشي على البلاط..."
"...أنا من انطفأت ليضيء..."
"...أنا الآن أجلس في زاوية النسيان ولا سماء...".
"...إنني أحترق..."
"...هذا الوجه الممكيج يختفي وراءه وجه عنزة ملمّعة.
هذا الرجل الذي كبر على يدي واقتات على خبز تعبي أطفأني.
فهل صحيح إذن أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة؟
يختنق الصوت... تتنهد..."
عينها إلى السماء ويدها تحت الذقن
لتقول "...إني أشك. ..
وراء كل رجل عظيم امرأة تندثر...".
يتسرب الكلام المر الحارق ليزلزل كياني لأفكر في الموضوع مليّا،
أتفحصه من كل الجوانب أسقط الضوء عليه.
لازال مشهد العنزة يتكرر وفي كل مرة يلبس ثوبا جديدا. ولازلت أطرح الأسئلة عن هذا الكيان الذي يسمى المرأة وهذا الجبل الغامض الذي يسمى الرجل.
يتبع...