/

مقال الرأي

أحوال الناس

المير الفلاني والمير العلاني

قلت أغادر كهفي وأستريح من الأحاديث المبللة قليلا. إنني محتاج لرؤية الناس وهم يمشون ويعمرون الأرض ويستمتعون بأشعة الشمس. أغلقت باب بيتي وتركت المفتاح فوق عداد الكهرباء. سرت باتجاه مقهى بلا اسم. وعند وصولي تحدثت إلى بعض الأصدقاء.
سألني أحدهم:
- هل سمعت؟.
- سمعت ماذا؟
- إن (المير) الفلاني استقال تحت وطأة الضغوطات.
تأسفت لهذا وسرت إلى محل قريب لأزود هاتفي برصيد من حريرات (الفليكسي). فبادرني صاحب المحل بالسؤال:
- هل سمعت؟
- قلت له. بلى. لقد سمعت أن (المير) الفلاني استقال تحت وطأة الضغوطات.
ضحك الرجل وأخذ أذني هامسا لي.
- أنت صحفي يا أستاذ ومعلوماتك قديمة.. إليك الجديد.. إن (المير) العلاني الذي أخذ مكان (المير) الفلاني هو الآخر استقال، تحت وطأة الضغوطات.
وهكذا كان لزاما علي أن أسأل: "وما هذه الضغوطات؟". أجابني الرجل وكأنه محلل سياسي في إحدى القنوات العربية قائلا:"المشكلة ببساطة أن إمام المسجد هو سبب الخلاف، فقد أطاحت جماعة به واستبدلته بآخر، وعندما جاء (المير) الجديد استعان بجماعة أخرى وأعاد الإمام القديم".
استطرد الرجل وهو يمسح مادة ترسبت على زاويتي فمه: "... طبعا أنت تعرف أصول اللعبة. إن الجماعة المطاح بإمامها لم تسكت ودبرت سيناريو خطيرا؛ فقد أثارت ملفا حول أراض يتم نهبها، وثبت بالدليل القاطع أن الزوجة الجديدة لمسؤول الفلاحة القديم وهي أخت (المير) الجديد الذي أطاح بالإمام القديم استفادت من هذه الأراضي. وهكذا ضغطت الجماعة المطاح بإمامها على (المير) وأطاحت به. لكن المؤسف أن هذه الجماعة لم تستطع إعادة (المير) الذي تناصره، ودخلت اللعبة جماعة ثالثة استغلت الفرصة بين الجماعتين ففرضت (ميرا) لم يكن متوقعا".
سألته بفضول: "هل (المير) الجديد لديه إمام ينوي فرضه على المسجد؟"
ضحك الرجل بدهاء وقال لي:"... يا رجل إن (مير) الجماعة الثالثة هو نفسه الإمام الذي سيفرض نفسه على المسجد". سألت ببلاهة: "وماذا عن مسؤول الفلاحة وزوجته المتورطة".
قال هذا المحلل الخطير: "سيكون عليه أن يطلقها نكاية في أخيها (المير) المطاح به وكسبا لودّ (المير/ الإمام) الجديد. والأمر لن يحتاج لوقت طويل... خصوصا أن القاضي في محكمة كذا وكذا.... ....".
بدأ الرجل في تحليل جديد ولم انتبه إلا وقد تجمهر كثير من الناس حولنا وكلهم إنصات لما يقوله المحلل صاحب المحل ذو الخبرة الأكيدة في فنون اللعب غير النظيف.
اغتنمت فرصة انغماسه في الكلام وانسحبت بهدوء تاركا إياه يواصل تحليله..

علي مغازي - شاعر وكاتب